الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.. وبعد...
فإن أعظم ما بعث الله به رسله وأنبيائه هو تعليق العباد برب العباد إيماناً ومحبةً وإخلاصاً وخوفاً ورجاءً وتوكلاً وإنابةً في كل الحالات رخاءً وشدة في السراء والضراء.
ولقد بذل الرسل عليهم الصلاة والسلام أوقاتهم وجهدهم من أجل هذا الأمر خاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل فإن رسولنا حذّر من كل سبب يقطع هذه العلاقة أو يضعفها ومن أعظم هذه القواطع الذهاب إلى السحرة والكهنة والعرافين، فعند مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»، تأمل يا عبد الله هذا الوعيد الشديد هذه الصلاة التي هي أعظم أركان الدين بعد الشهادة، وهي سبب النجاة يوم القيامة، لا يتقبلها الله هذه المدة الطويلة 40 ليلة.
هذا الذي الوعيد معناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة عنه.
يالله لو مات في خلال هذه الفترة كيف يلقى الله؟ ولو عاش فإن 200 صلاة فريضة لم تقبل منه، أي خسارة، وأي حرمان أشد من هذا الحرمان بل ظاهر الحديث قد يشمل النوافل، لأن -صلاة- نكرة فتعم، هذا الوعيد الشديد فيمن ذهب لمجرد السؤال، أما إذا ذهب وهو مصدق له فإن الجرم أعظم، والذنب أكبر.
فعند الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة «من أتى ساحراً أو عرافاً فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»، قال محققو المسند إسناده صحيح على شرط مسلم 15/331.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه تيسير العزيز الحميد: لا تعارض بين هذا الخبر وبين حديث «من أتى عرافا فسأله.....» إذ الغرض في هذا الحديث أنه سأله معتقدا صدقه، وأنه يعلم الغيب، فإنه يكفر.
لقد إنتشر قول يقول بأن المسحور يجوز أن يذهب لساحر ليحل منه سحره، وهذا القول لم يستند إلى دليل من كتاب، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو حتى قول صحابي صح عنه، بل غاية ما إستدل له أثر عن سعيد بن المسيب.
وقد أخرج هذا الأثر البخاري في صحيحه تعليقا، قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل طُب أي سُحر أو يؤخذ عن امرأته أيُحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به إنما يريدون الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه.
وهناك وقفات مع هذا الأثر:
= أولا: أنه ليس بظاهر أن سعيد بن المسيب يجيز الذهاب إلى الساحر لحل السحر، فإن قوله -إنما يريدون الإصلاح- يفيد أنه يقصد شيئا غير الساحر، لأن الساحر لا يمكن أن يكون قاصدا الإصلاح بل هو من المفسدين، ثم قوله -فأما ما ينفع فلم ينه عنه- فهذا يؤكد أنه يقصد الشيء المباح الذي جرب، ووجد فيه نفعا ويؤيد هذا أن الحافظ ابن حجر في شرحه لكلمة -أو بنشر- لم يذكر الذهاب إلى الساحر كطريقة لحل السحر، بل قال رحمه الله تعالى، ويوافق قول سعيد ابن المسيب، ما تقدم في باب الرقية في حديث جابر عند مسلم «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» أ.هـ.
ثم ذكر طرقا من الأسباب المباحة المجربة التي جربت فنفعت في حل السحر، ولم يذكر منها الذهاب إلى السحرة، ويؤيد ذلك أن الأصل في الرقى الإباحة ما لم تخالف الشرع، كما في صحيح مسلم «اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً» و«من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل».
وهذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في مطوية مشهورة عنه، يذكر طريقه لحل السحر، لم ترد في الكتاب، ولا في السنة، ولكنها مباحة مجربة. يقول الشيخ سليمان بن عبد الله أيضا: هذا الكلام من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم هل هو نوع من السحر أم لا؟ فإما أن يكون ابن المسيب، يعني يجيز قصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليعمل السحر، فلا يُظن به ذلك، حاشاه منه، ويدل على ذلك قوله: إنما يريدون به الإصلاح؟ فأي إصلاح في السحر؟ بل كله فساد أ.هـ.
ثم ذكر تعريف ابن القيم في النشرة، وأنها نوعان: حل السحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، والثاني: النشرة بالرقية والتعويذات والأدوية المباحة، فهذا جائز.
قال الشيخ سليمان: هذا الثاني هو الذي يحمل عليه كلام ابن المسيب، أو على نوع لا يدري هل هو من السحر أم لا؟ وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النُّشرة فإنه محمول على ذلك، وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك أ.هـ.
وقد ذكر ما يبرهن على أن الإمام أحمد لا يجيز ذلك.
= ثانياً: سلمنا أن ابن المسيب يجيز الذهاب إلى الساحر لحل السحر، فأين نحن من كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} نعم لا يفلح الساحر بأي زمان، أو أي مكان، أو بأي طريقة، فكيف يرجى العلاج فيمن نفى الله عنه الفلاح، ويقول الله تعالى: {فلما القوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين} تأمل في هذه الآية حيث قال موسى عليه الصلاة والسلام: إن الله سيبطل عمل سحرة فرعون، لكن عقّب بقوله {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} لتكون عامة في كل ساحر، لأنه من المفسدين والله لا يصلح عمله.
فكيف تطيب نفس المؤمن أن يذهب إلى شخص قد نفى الله عنه الإصلاح، والفلاح.
وأما السنة فعند الطبراني، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس منا من تكهن أو تُكُهن له أو تطير أو تُطير له أو سحر أو سُحر له» صححه الألباني في صحيح الجامع.
وعند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه سُئل عن النشرة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي من عمل الشيطان».
وإذا تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من الذي يُسحر له، فأي خير، وأي فلاح سوف يجد.
= ثالثاً: أن يلزم من القول بجواز الذهاب إلى السحرة، لوازم باطلة فمنها:
1= أن ذلك إقرار للساحر على سحره وكفره.
2= أن المسحور سوف يرضى بالكفر بالله، لأن الساحر لا يحل السحر إلا بسحر، وهو كفر بالله.
3= أن الواجب هو محاربتهم، والتبليغ عنهم، وقطع شرهم، لا تركهم. أخي: هلاّ سألت نفسك قبل أن تذهب إلى ساحر.. من الذي قال {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}.
من الذي قال {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان}، من الذي قال: {أمّن يجيب المضّطر إذا دعاه ويكشف السوء}، كيف تتعلق بمخلوق ضعيف فقير عاجز، وتترك الواحد الأحد الذي أمره بعد الكاف والنون. هلاّ تفكرت.. هذا الساحر روحه بيد من؟ ناصيته بيد من؟ سحره بيد من؟ هذا السحر الذي فيك، من الذي قدّره عليك؟ والله إن الذي قدّر عليك السحر: هو الله، هو أرحم الراحمين، ما إبتلاك لتتعلق بغيره، إنما إبتلاك ليسمع شكواك، إنما إبتلاك ليسمع نجواك، إنه لا يريد منك إلا أن تنكسر وتذل بين يديه وتدعوه وأنت تحسن الظن به، موقن به، عندها ترى أنه سبحانه لا يخيب من تعلق به، هذا رجل سُحر ورُبط عن أهله، ذهب إلى ساحر وثان، ولم يُحل عنه سحره، ثم دُل على ساحر زعموا أن سحره عظيم، طلب منه مائة ألف ريالا مقابل فك سحره، فأعطاه إياها، ووعده الساحر أنه خلال ساعات سوف يفك سحره، عاد الرجل إلى بيته ومضت ساعات وساعات، ولم يتغير شيء، فإتصل على الساحر وقال له: يا فلان! أين سحرك؟ أين عملك؟ قال: لم يذهب السحر منك، فقال له: لم يتغير شيء أبداً.
وبعد مناقشه مع هذا الساحر يقول هذا الرجل: فعلمت أنه لا يملك لي شيئاً، فخرجت هائماً على وجهي، والله لا أدري أين أذهب! ركبت السيارة، وسرت بها، ولم أشعر من شدة الهم والضنك إلا وأنا أمام الحرم المكي وقد أذّن المؤذن لصلاة المغرب يقول: فتوضأت، وصليت المغرب، ثم طفت، وذهبت إلى زمزم، وأخذت كأساً منها، وأقبلت على الله بقلبي، وأيقنت أنه لا يملك شفائي إلا الله، ثم شربت زمزم فما أن إستقر الماء في بطني حتى شعرت بألم في بطني ورغبة قوية في الإستفراغ، فأسرعت إلى خارج المسجد الحرام، فإستفرغت ما في بطني، فخرج مني شيء أسود مثل الفحم، فشعرت بالراحة نوعاً ما، ثم صليت العشاء وعدت إلى جدة، وفي اليوم الثاني: ذهبت إلى مكة، وصليت المغرب، وفعلت كما فعلت بالأمس، وشعرت برغبة في الإستفراغ، فأسرعت إلى خارج المسجد، فأفرغت كل ما في بطني، فوالله ما إن خرج ذلك الشيء من بطني حتى شعرت براحة تامة، وإذا بي أشفى وأعافى وعدت سليماً صحيحاً كأنه لم يمسني سحر قط.
يا أخي.. عليك أن تتعلق بالله، ودع عنك قطاع الطريق من السحرة، فوالله لا أرحم بك من الله، ولا أحن عليك من الله، ولا ألطف بك من الله، فتوجه إليه وأيقن به وسوف ترى منه كل خير.
الكاتب: محمد بن عطية الجابري.
المصدر: منتديات مشكاة الإسلامية.